في اليوم التالي لم يحضر ذاك الشاب إلى الكلية، لكنه ترك لوالدتي النسخة التي أعارته إياها من الكتاب المدرسي البارحة بمقعدها المعتاد، و قد ترك فيها ملاحظة يخبرها فيها أن تنتظره عند دار السينما بعد الدوام ليخبرها بشيء مهم.


بعد نهاية يومها الدراسي، ذهبت والدتي إلى المكان الذي أخبرها أنهما سيلتقيان به ، لكن عند وصولها لم يكن هناك أي أحد.


ظلّت منتصبة تنظر هنا و هناك لعلها تراه و انتظرت لساعات، حتى تلاشى قرص الشمس بين البنايات و أسدل الليل ستاره المُظلم ، و قد كانت ليلة باردة و مظلمة لا ينيرها ضوء النجوم.


كانت والدتي قد أخذت مقعداً في الأرض بجانب أحد الجدران و دفنت وجهها الصغير في ركبتيها لتدفئته، و بعدها بمدة وجيزة وصل أخيرًا و قد بدى عليه التعب، ثم قال: "(جاسمين) ، أنا آسف لقد تأخرت كثيراً و قد تركتك هنا في هذا البرد القارص تنتظرينني".


توقع منها أن تكون غاضبة منه و لكنها رفعت وجهها الذي بدى عليه النعاس و نظرت إليه لتطبع إبتسامة جانبية و تقول :"لا مشكلة، المهم أنّك أتيت في النهاية" .


"(جاسمين) ...؟ "، أردف لأنه إستغرب من مدى سرعة تفهمها الوضع و إبتسم ليمسكها من راحة يدها و يسحبها .


"ماذا تفعل؟"، سألت والدتي.


"ثقي بي، فقط أغمضي عينيك"، قام بالطلب منها.


نفّذت ما طلبه منها ليبدآ بالمشي و كأنه يقوم بتوجيهها إلى مكان ما، وصلت عند إحدى النقاط بعد مُدة عندما بدأت بالشعور أنهما يصعدان للأعلى و الجوّ يزداد برودة، قد يكونان يصعدان أحد الجبال.


بعد مدة ليست بوجيزة، توقفا عن التقدم ليقول لها: "حسنًا ، افتحيهما الآن! ".


عندما فتحت عينيها وجدت نفسها بمكان ما في قمم أحد الجبال القريبة، و عندما نظرت للأمام رأت مدينتها بالكامل و أضواء المحلات و السيارات تنير ظُلمتها، و عند رفع رأسها قليلاً تسنت لها فرصة رؤية القمر في تلك السماء المظلة كأنه لؤلؤة تنير الكون، لقد كان منظراً رائعاً كما قالت.


"يا للعجب، كم هذا رائع! إنه يبعث على الشغور بالراحة"، قالت والدتي.


"يسرُني أنه نال إعجابك لكنني لم أحضرك إلى هنا من أجل هذا"، قال لتنظر إليه والدتي بإستغراب ثم أكمل حديثه :"(جاسمين) ما سأطلعك عليه الآن هو شيء لم أخبر به أحداً قط، و لا أخطط لإطلاع شخصٍ غيرك به، لكن عديني أنّك ستتقبليني مهما كانت حقيقتي" .


بدت على والدتي الحيرة من كلامه الغامض عن حقيقته و ما إلى ذلك، ليضيف لها: "فقط أنظريّ".


رأته يرفع راحة يده أمام وجهه، ر كلما نظرت أكثر رأت أن اليد كانت تتغير ببطء، و تتحول بشكل غريب لا يصدقة العقل إلى مخالب و فراءٍ رماديّ اللّون، وعندما نظرت إلى وجهه و ملامح الدهشة لا تفارفها، وجدت أن الفراء قد غطى وجهه و ملامحه قد تغيرت أيضاً لتبدو وكأنها ملامح حيوان مألوف.


"إسمي هو (كارما) و الذي يعني القَدَر لقد بحثت عن هذا من أجلك قبل مجيئي بالمناسبة" قال ممازحاً.


تردد للحظات لكنّه إستجمع عزيمته و أكمل :"و أنا الفرد المتبقي من سلالة أشباه الذئاب اليابانية رمادية اللّون، هذه هي حقيقتي (جاسمين)، إذاً كيف أبدو؟"، سأل ذاك الشاب بصوت قد بدى عليه الخوف.


بالطبغ لم تكن والدتي خالية من الكلام ، لكنها كانت تهمس في قرارة نفسها ببطئ :"ذئب... ذئب... "


نعم بالفعل لقد كانت مصدومة، ليس لأنها إكتشفت حقيقته بل لأنها قد وقعت في حبّ مستذئب ياباني.


"(جاسمين)، هل أنت خائفة مني؟ حسنا لقد توقعت حدوث هذا الأمر بالفعل" قال (كارما).


تجمدت والدتي للحظات محاولة إستيعاب ما يحصل هنا، ماذا سيحدث لها هل سيلتهمها أم أنه سيقوم بغرز مخالبه في رقبتها و يقتلها ليذهب سرّه معها، كلها كانت إحتمالات واردة.


لم تعلم والدتي ماذا تفعل فهي الآن تحبه و سيكون من الصعب عليها تركه رغم الفترة القليلة التي قضياها معاً إلاّ أنه قد كان أول شاب يتسنى لها فعل الكثير من الأمور معه للمرة الأولى.


أرادت فقط أن تبتلعها الأرض في تلك اللحظة أو تقوم بالهرب منه و تتجنب الإلتقاء به مرة ثانية، لكنها وضعت راحة يدها على صدرها ثم هزت رأسها، و بدأت الدموع تهطل لا إراديًا من مقلتيها، ممزوجةً بمشاعر الحزن و السرور و الصدمة.


"لا.. إنّه جميلٌ جداً، فروُك، و أنا لست خائفة لأن هذا فقط ما تبدو عليه، و أنا أحبك رغم عيوبك"، قالت ليُصدم مما قالته و تقوم بالركض إليه ثمّ تغرس وجهها في حُضنه و تبدأ بالبكاء فوق فروه الدافئ، لقد كان ذلك أول حضن قد أسقطت دموعها عليه كما أخبرتني.


2021/01/09 · 134 مشاهدة · 687 كلمة
THE EAGLE
نادي الروايات - 2024